الاثنين، 27 يناير 2014

صناعة الأعضاء.. حلم أم حقيقة؟


منذ ظهور علم الخلايا الجذعية في أواخر القرن الماضي، راود العلماء حلم صناعة الأعضاء في المعمل عن طريق الخلايا الجذعية. وقد تمكنوا بالفعل من تحقيق هذا الحُلم من خلال صناعة كلية من الخلايا الجذعية بحجم كلية الجنين. لكنهم لم يستطيعوا أن يصنعوا كلية بحجم كلية الإنسان البالغ، ذلك أنهم اعتمدوا في هذه الصناعة على الخلايا الجذعية الناشئة Adult Stem Cell ذات القدرة المحدودة على نمو العضو على العكس من الخلايا الجذعية الجنينيةEmbryonic Stem Cell والخلايا الجذعية المحفزة Induced Pluripotent Stem Cell التي تسمح بتنامي أكبر للعضو البشري، لكنها محظورة الاستخدام في هذا الصدد لأسباب أخلاقية خاصة باستخدام الخلايا الجذعية الجنينية التي قد تؤدي إلى وفاة الجنين أو تشويهه، أو لأسباب صحية خاصة باستخدام الخلايا المحفزة التي يؤدي تكاثرها إلى إمكان تحولها لخلايا سرطانية.
لكن علماء الخلايا الجذعية لم ييأسوا من إمكان صناعة عضو بشري بحجم أعضاء الإنسان البالغ، واتبعوا في هذا الإطار طرقا ثلاثا لصناعتها، سنبدأ هنا بشرح الطريقة الأقدم فالأحدث.
الطريقة الأولى.. القالب المصنوع من مواد قابلة للتحلل:
بدأ العلماء أولاً باستخدام هذه التقنية في صنع أعضاء بسيطة، باستخدام قالب مصنوع من مواد حيوانية قابلة للتحلل في الجسد دون أن تترتب عليها آثار جانبية ضارة. ففي عام 2006، استطاع العالم أنطوني أتالة Anthony Atala، في معهد واك فورست Wake Forest Institute في جنوب كاليفورنيا بالولايات المتحدة، استخدام هذه التقنية مع الخلايا الجذعية العضلية Muscle Stem Cell لتوليد المثانة وزرعها في المريض بنجاح. وفي عام 2011، استطاع نفس الفريق توليد المسالك البولية واستخدامها في العلاج بنجاح أيضًا. وفي عام 2008، استطاع فريق من العلماء الإنجليز بجامعة لندن University College of London بقيادة العالم ألكسندر سيفالين Alexander Seifalian صنع القصبة الهوائية باستخدام قالب مصنع مع الخلايا الجذعية الدموية، وقد قام الطبيب باولو ماشيريني Polo Macchiariniبمستشفى برشلونة بزرعها بنجاح. كل هذه النجاحات، بالإضافة إلى إنجاز العالم مجدي يعقوب وفريقه في صنع صمام القلب عن طريق صنع قالب من المواد الحيوانية واستخدام الخلايا الجذعية للحمة الوسطى Mesenchymal Stem Cell في عام 2006، واستخدام نفس القالب مع الخلايا الجذعية المنشقة من الدهون Adipose – derived stem cell، في عام 2011، لتوليد صمام قلب أكثر جودة، ومازال الصمام القلبي يخضع للاختبارات الطبية لتجويد عمله. لكن هذه الطريقة لم تنجح في صناعة أعضاء أكبر حجمًا وأكثر تعقيدًا، ومن ثم راح العلماء يبحثون عن طرق أكثر فاعلية وتعقيدًا.
الطريقة الثانية.. تفريغ القالب الحيواني:
هنا راح علماء الخلايا الجذعية يستعينون بعلوم أخرى وهي: علم هندسة الأنسجة Tissue engineering وعلم البيولوجيا الجزيئية Molecular Biology وعلم بيولوجيا التطورDevelopmental Biology في عملية صناعة الأعضاء. فقد منحتهم هذه العلوم مجتمعة فكرة استخدام الهيكل الخارجي الطبيعي لعضو ما في عملية صناعة الأعضاء. والمقصود بالهيكل الخارجي الطبيعي Natural organ Scaffold للعضو: الإطار الخارجي للعضو وهو عبارة عن مجموعة من البروتينات التي تنتجها خلايا العضو أهمها الكولجين والألستينCollagen and Elastin اللذان يكونان الإطار الخارجي المرن الذي يحميها. وترجع أهمية استخدام هذا الهيكل الخارجي الطبيعي للعضو في صناعة الأعضاء إلى عدة أسباب: أولها أن الهيكل الخارجي للعضو غالبًا ما تصعب صناعته في المعمل. ثانيًا أنه يتمتع بخاصية إرشاد الخلايا إلى أماكن النمو الصحيحة. ثالثًا أنه يحتوي على جزيئات مثل عوامل النمو Growth Factors تحفز الخلايا الجذعية على الاختلاف الخلوي Differentiation والتكاثر الذاتي والتلاحم مع بعضها البعض لتبقى حية. رابعًا: أنه يحتوي على شبكة الأوعية الدموية والأعصاب التي تسمح للعضو بعد صناعته وزرعه في المريض بالتزود بالدم على نحو فوري. هذه الميزة الأخيرة مهمة جدًا في صنع أعضاء مثل الكُلَى أو القلب أو الكبد أو البنكرياس ذات الأنسجة السميكة والتي قد تتعرض للتلف إن لم يتم تزويدها فورًا بالدم الحامل للأوكسجين والأغذية Nutrients. خامسًا وأخيرًا، هو أن البروتينات المكونة للهيكل الخارجي للعضو هي عبارة عن عامل عام ومشترك بين كل أفراد الجنس البشري، ومن ثم لن تواجهنا مشكلة رفض المناعة للعضو المصنع من هذا الهيكل الخارجي. هذا علاوة على أن بروتينات الهيكل الخارجي هي أيضًا بروتينات مشتركة ما بين الإنسان والكثير من الحيوانات. ومن هنا وجد العلماء أن المصدر الأكثر ملاءمة لصناعة عضو بشري هو الهيكل الخارجي الطبيعي لأعضاء جسم الخنزير، حيث إن حجم أعضائه مماثل لحجم أعضاء الإنسان.
وهنا نأتي للحديث عن تفاصيل كيفية تصنيع العضو البشري. نأخذ مثلاً العضو من الخنزير، ثم نقوم بعملية تفريغ هذا العضو من خلاياه ليتبقى لنا الهيكل الخارجي فحسب. ونستخدم في هذا الإطار طريقتين للتفريغ. الأولى: تتمثل في التفريغ عن طريق المواد الكيميائية. ولكن لهذه الطريقة عيوب، حيث إنها قد تخلف مواد سامة للهيكل الخارجي، كما أنه يصعب استخدامها لصناعة الأعضاء كبيرة الحجم مثل الكُلَى. الطريقة الثانية للتفريغ تتمثل في استخدام نبضات كهربائية Electric Pulse ذات قوى أعلى من المستوى الذي يستطيع العضو احتماله في الظروف البيولوجية العادية. تقوم هذه النبضات الكهربائية بقتل الخلايا عن طريق صنعها لثقب في غلافها، مما يؤدي إلى تسرب الماء منها وموتها. وتتميز هذه الطريقة بأنها لا تخلف مواد سامة، هذا علاوة على إمكان استخدامها بالنسبة للأعضاء كبيرة الحجم. وفي هذه الطريقة الأخيرة، يبقى العضو أثناء عملية التفريغ الخلوي هذه محفوظًا في درجة حرارة 4، لأن عملية إتلاف الخلايا تنتج حرارة قد تتلف الهيكل الخارجي. كما أننا في إطار هذه العملية أيضًا، نقوم بتزويد الخلايا بالأوكسجين والأغذية بشكل مستمر مع إزالة مستمرة للمخلفات، بما لا يضر بالهيكل الخارجي للعضو.
إن الحرص الشديد على إبقاء الهيكل الخارجي للعضو خاليًا من المواد السامة يؤدي إلى نجاح هذا الهيكل في القيام بدوره في عملية إعادة بناء العضو. كذلك لابد أن نكون حريصين أشد الحرص على ألا يصيب الهيكل الخارجي أي قطع أو جرح، حتى يتم نمو العضو بالبطء المناسب لتكوينه السليم.
استخدم العلماء تقنية القالب هذه أو الهيكل الخارجي للعضو بعد تفريغ خلاياه، حيث قام العالم هارلد أوت Harald Ott بجامعة ماساشوستش Massachusetts ببوسطن بالولايات المتحدة بوضع الخلايا الجذعية الناشئة في الهيكل الخارجي المفرغ لكلية الفأر، وبالفعل صنعت هذه التقنية كلية تعمل بنسبة 10% من طاقة الكلية الأصلية. وفي استخدام مماثل لفكرة القالب أو الهيكل الخارجي، قامت العالمة كريستين بلديشي Christine Baldechi من معهد العلاج بالخلايا الجذعية في إيفري Evry بفرنسا، في عام 2009، هي وفريقها باستخدام الخلايا الجذعية الجلدية وزرعها على شبكة صناعية وتحفيزها لتوليد طبقة من الجلد، ثم وضعت هذه الطبقة مكان جلد الفأر في الظهر، لينمو جلد إنسان كامل الوظائف.
الطريقة الثالثة.. تعديل الجينات:
ومن الطرق الابتكارية الأخرى لصناعة الأعضاء، استطاع فريق العالم هيروميتسو ناكوشيProfessor Hiromitsu Nakauchi من جامعة طوكيو والعالم هيروشي ناجاشيماProfessor Hiroshi Nagashima من جامعة ميزي Meiji في اليابان تعديل جينات بويضة الفأر بحيث لا ينمو عضو ما مثل البنكرياس. ثم يضعون في هذه البويضة الخلايا الجذعية المُحفزة لنوع مختلف من الفئران، وذلك بغرض أن ينمو في هذه البويضة عضو البنكرياس المطابق للنوع الثاني من الفأر التابعة له الخلايا الجذعية. والفكرة هنا أنه بالتعديل الجيني للبويضة يمنع نمو البنكرياس لدى الفأر موضع التجربة. فمع التعديل الجيني في البويضة، تتم تهيئة بيئة تحفز الخلايا الجذعية المزروعة لتنتج عضو البنكرياس المفقود لدى النوع الآخر من الفئران. بعد نجاح هذه التجربة في 2010، قام الفريق بتوسيع مجال التجربة إلى حيوان أكبر مثل الخنزير، الذي عدلت جينات البويضة فيه بنفس الطريقة السابقة لتزرع خلايا جذعية لبنكرياس حيوان آخر فينمو في جسم الخنزير بنكرياس هذا الحيوان، حتى يستخدم بعد تمام نموه لتعويض البنكرياس التالف لدى هذا الحيوان الآخر. وقد كتب لهذه التجربة النجاح. وفي خطوة قادمة، يريد الفريق إجراء هذه التجربة باستخدام الخلايا الجذعية المُحفزة للإنسان ويكون الخنزير الجسم المستقبل لتنمية العضو المراد تعويضه لدى الإنسان.
وفي نهاية الأمر، فإن هذه الطرق المبتكرة لعلم الخلايا الجذعية في صناعة الأعضاء تبدو مضيئة بالتفاؤل لصنع الأعضاء المعقدة التي يحتاج إليها الكثيرون من المرضي في العالم، وخصوصًا بعد استطاعتهم صنع أعضاء أقل تعقيدًا مثل المثانة والقصبة الهوائية وصمام القلب، ومضيهم الحثيث في سبيل صناعة أعضاء أكثر تعقيدًا مثل الكلى والبنكرياس.

 

 




هل أعجبك الموضوع؟ اذن شاركه مع اصدقائك!