الاثنين، 27 يناير 2014

العلم الكامن وراء أعاجيب جسم الإنسان


جسم الإنسان ذلك التكوين البديع النابض بالحياة، والذي يخفي بين طياته أعاجيب مدهشة، حتى وراء أبسط الأشياء التي يقوم بها وأكثرها بداهة كالضحك والعطاس والحكة؛ فقد كشف العلماء أخيرًا أن تلك الممارسات اليومية الاعتيادية تعد حيلا مدهشة تخفي بين جنباتها ما يحير العقول والألباب، وأنه رغم البساطة الظاهرة والضآلة البادية في تلك الأمور فإن هناك تفسيرات علمية ضخمة تكمن وراءها، والتي يعجز العلم والعقل عن إدراك بعضها بشكل كامل؛ لنكتشف أن أجسامنا تزخر بما يدعو للدهشة والتأمل واستثارة الشغف العلمي لاستجلاء سر تلك الروعة الكامنة فينا.
الضحك في 0.4 ثانية فقط!
الضحك ذلك النشاط الإنساني المحبب والعجيب والفريد في الوقت ذاته؛ فهو مظهر السعادة والبهجة والفرحة، كما أنه يلعب دورا مهما في تحسين الصحة ومحاربة الأمراض، بجانب كونه خاصة يتفرد بها البشر عن كل الكائنات الحية. وعلى الرغم من أن الضحك يبدو في ظاهره أمرا بسيطا، إلا أن وراءه نشاطا عقليا بالغ التعقيد كالذي يمارسه الإنسان لحل المشكلات. فقد وجد العلماء أنه عند تعرض الإنسان لدعابة ما فإن الجزء الأيسر من القشرة المخية يقوم بتحليل كلمات وتركيب تلك الدعابة، وبعدها يتم تنشيط الفص الجبهي للمخ المسئول عن الاستجابات العاطفية، ثم يقوم النصف الكروي الأيمن من المخ بالتحليل الفكري للدعابة وفهمها، لينتقل النشاط المخي بعدها إلى منطقة العمليات الحسية بالفص القذالي، وأخيرا يتم تنشيط الأجزاء المسئولة عن الحركة لتنتج تعبيرات جسدية خاصة يصاحبها صوت مميز هما التعبير الفسيولوجي للضحك، ويستغرق كل هذا 0.4 ثانية فقط. برغم هذا فإن العلماء لم يتمكنوا من فك طلاسم الضحك كلها بعد؛ فنحن لا زلنا لا نفهم على وجه التحديد لماذا نضحك؟ وعلى أية أساس يعتبر المخ دعابة ما سمجة وأخرى مضحكة؟!
دموع الحزن لتخفيف الآلام
على الرغم من أن العديد من الكائنات تبكي وتدمع عيونها، إلا أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يستطيع البكاء تعبيرا عن عاطفته؛ فعلى غرار الضحك يتفرد الإنسان بقدرته على البكاء إظهارا للحزن والألم. إن الدموع في حد ذاتها مجرد سائل ملحي يتكون من الماء بشكل رئيسي بجانب بعض البروتينات والمواد المخاطية التي يتم إفرازها من الغدد الدمعية؛ تنقسم الدموع إلى ثلاثة أنواع، ما يهمنا منها الآن هي دموع الحزن والتي تعد استجابة من المخ لشعور الإنسان بالحزن، حيث يصدر الأوامر لبعض الغدد الصماء بإفراز هرمونات معينة تحفز الغدد الدمعية على إفراز الدموع، لتفيض بعدها مفصحة عن الحزن والألم. وبجانب قدرة الدموع على جلب تعاطف الآخرين، وجد العلماء أن البكاء يجعل المرء يشعر بحالة نفسية أفضل؛ ويرجع بعض العلماء السبب في هذا الارتياح إلى أن الدموع قد تكون وسيلة الجسم للتخلص من المواد الكيميائية السامة المتكونة خلال أوقات الضغط النفسي؛ حيث وجد العلماء أن الدموع الحزينة تحوي بعض الهرمونات المتكونة خلال الضغوطات والشدائد، بجانب مادة أخرى تسمى «ليو-إنكفالين» هي أحد «الإندورفينات» التي تخفف من حدة الألم وتقوم بتحسين الحالة المزاجية؛ إلا أن العلماء لم يجزموا بشكل قاطع بصحة تلك الفرضية بعد.
العطس بسرعة 160 كيلومترًا في الساعة!
العطس أحد أروع الآليات الدفاعية بجسم الإنسان، والتي يكمن سر روعتها في التنسيق البديع بين الجهازين العصبي والعضلي لأداء تلك المعجزة التي تتجاوز سرعتها سرعة السيارات على الطرق السريعة! يعد العطس آلية دفاعية لحماية الجهاز التنفسي من الأجسام الغريبة التي تحاول اقتحامه عبر الأنف كذرات الغبار وحبوب اللقاح؛ تحدث العطسة حينما تدخل أحد تلك الأجسام الضئيلة مجرى الأنف، وتتجاوز حاجز شعر الأنف لتصطدم بالجدار المبطن للتجويف الأنفي، ويتم استثارة النهايات العصبية الموجودة فيه، والتي سرعان ما ترسل إشارة لمركز العطس بجذع المخ، وفي أجزاء من الثانية تخرج من المخ عدة رسائل في ذات الوقت وبتنسيق تام للعين وعضلات الصدر، لتنغلق العيون بشدة، وتنقبض عضلات الصدر بقوة، فتندفع العطسة طاردة الجسم الغريب خارج الأنف بسرعة تصل إلى 160 كيلومترا في الساعة. أما عن سر الصوت المميز للعطسة فقد وجد العلماء أن ذلك الصوت ليس إلا مؤثر صوتي يصدره صاحب العطسة؛ فلأن العطسة مفاجئة ولا يمكن التحكم في صوتها بشكل كامل يقوم الفرد بتعديله ليصبح لائقا اجتماعيا بشكل أو بآخر. وهذا ما يفسر اختلاف صوت العطسة من شعب إلى آخر؛ حيث يكون صوت العطس لدى البريطانيين «أتشوو»، ولدي الفرنسيين يتحور قليلا ليصبح «أتشوم»، بينما عند اليابانيين يصير «هاكاشون»!
الحكة خط الدفاع ما قبل الأول
تستمر غرابة الآليات الدفاعية بجسم الإنسان، وسر الغرابة هذه المرة يرجع إلى مدى بساطة تلك الحيلة الدفاعية رغم مهمتها الجسيمة بالذود عن خط الدفاع الأول للجسم؛ إنها الشعور بالحكة تلك الآلية الدفاعية الوقائية المسئولة عن حماية الجلد العضو الأكبر في الإنسان. فعند ملامسة جسم غريب -كالحشرات الصغيرة أو ذرات الغبار أو الألياف- لسطح الجلد، فإنه يستثير مستقبلاته العصبية الحسية لتقوم بإرسال رسالة عبر الألياف العصبية إلى قشرة المخ، والذي يجعلنا نشعر بالحكة في تلك المنطقة من الجلد، ويصدر استجابة فورية بحك تلك المنطقة بواسطة الأظافر. والسر وراء تلك الاستجابة العجيبة أنه عبر هذا الحك يتم إزالة مصدر الخطر -الجسم الغريب- المسبب للحكة ليشعر المرء بالراحة بعدها؛ حيث إن الإشارات المرسلة إلى المخ جراء ملامسة هذا الجسم قد انتهت، وبالتالي أدرك المخ زوال الخطر واختفى الشعور بالحكة. ومن طرائف تلك الحيلة الدفاعية أنها معدية للغاية؛ حيث يمكنها الانتقال كالعدوى من شخص لآخر بمجرد الإيحاء أو حتى بالحديث عنها، ولعلك لاحظت أنه بينما تقرأ هذه السطور قد راودك شعور بالحكة أو قمت بحك جلدك عدة مرات!
التثاؤب.. ذلك المجهول
قد يظن البعض أننا الكائنات الوحيدة التي قد تصاب بالملل وتتثاءب، إلا أن حقيقة الأمر أن الإنسان لا يتثاءب بمفرده؛ فمعظم الفقاريات كالثعابين والطيور وحتى الأسماك تتثاءب أيضا! تبدأ رحلة التثاؤب مع الإنسان من قبل أن يولد؛ فالجنين في رحم أمه يتثاءب للمساعدة في تكوين فكيه أو تطوير رئتيه وفقا لما يعتقده العلماء. أما عن دور التثاؤب لدى الإنسان فلا يزال مجهولا، والعلماء لا يعرفون تحديدا ما هي وظيفة التثاؤب؛ فالبعض يرى أنه يساعد في تنظيف الآذان، أو يجعل العيون تدمع، أو يملأ الرئتين بالهواء، أو يقوم بتبريد المخ وزيادة اليقظة والانتباه، أو أنه فقط مجرد إشارة للتعبير عن مدى مللنا أو سأمنا، لكن الأمر الأكيد أن المعتقد الشائع بأننا نتثاءب بسبب زيادة ثاني أكسيد الكربون في الدم وندرة الأكسجين في المخ هو معتقد خاطئ. على الرغم من أن هناك الكثير من الكائنات الحية تتثاءب؛ إلا أننا نجد أن التثاؤب يصبح معديا فقط بين البشر! وتشير أحدث الدراسات إلى أن الإصابة بعدوى التثاؤب لدى الفرد ترتبط بمدى قدرته على التعاطف مع الآخرين؛ ومن طرائف تلك العدوى أنها لا تصيب الإنسان إلا بعد بلوغ الرابعة من عمره!

 

 
هل أعجبك الموضوع؟ اذن شاركه مع اصدقائك!